التخرج من الاغاثة الاسلامية

التخرج من الاغاثة الاسلامية

 ظهيرة الأحد ٧ إبريل ٢٠٢٤، المنزل، برمنجهام بريطانيا.  

لا ديمومة ولا خلود إلا للخالق الموجود.

هذه رسالة أوجهها لنفسي ولكل من دعته نفسه إلى تبوء مقاعد القيادة، تبوأ مناصبها، تنعّم بهائها واستطعام مر مذاقاتها.دعونا نرسي قاعدة راسخة قويمة لنا جميعاً  وللبشرية:لا قيادة لمن لا يصنع قادة، لا ريادة لمن لا يبقى في السيادة ولا سيادة أو قيادة لمن لم يخلوا مناصبهم لمن خلفهم يا سادة. القائد يبني مسيرات للقيادة، والزعيم يولد من خلفه ” تبع ” – بضم التاء وفتح الباء المشددة وسكون العين – وليسوا قادة، فاتركوا قادة لا تبع يا سادة.

وأقول لنا جميعاً، من أراد منا أن يعمل في هذا المجال فليعلم ” أننّا أجراء لدى الفقراء، أن فضل الفقير علينا كفضل الهواء على الأحياء، الماء على الصحراء، الرشد على الإغواء، الحب على البغضاء، العلم على الجهلاء، الحلم على السفهاء والإيمان على التعساء….. وما نحن إلا صنيعة الفقراء “. تعلمنا من صبرهم، تغنينا بمعاناتهم، تشدقنا بأشعارهم وعشنا على رواية قصصهم. فهل نستطيع في حياتنا أن نعيش عيشهم، نلبس لباسهم، نسكن سكنهم، نشرب شربهم، نأكل أكلهم، ننام نومهم أو حتى نحلم أحلامهم!

اليوم هو الثامن من إبريل ٢٠٢٤، وهو يمثل حدثاً تاريخياً في مسيرة حياتي منذ أن ولدتني أمي منذ ٧٣ عاماً.

هو اليوم الذي قررت فيه ترك شيئاً كان – في بعض الأحيان – أقرب إلي من مالي وولدي – بعد ربي ورسولي عليه الصلاة والسلام وديني وإيماني – …. وهو الإغاثة الإسلامية عبر العالم. التي بدأت معها فكرة – بذرة – فأصبحت مبادرة، مشروعا، جمعية ثمّ مؤسسة – شجرة، حقلاً، غابة وموائل غناء -! كنت ومن أنا معهم نعمل كفريق عمل متجانس – وإن كنت مديراً سيئا في حينها – من الشباب والنساء وأبناء الجاليات المسلمة في بريطانيا. لم نؤمن بالحواجز العرقية والفكرية والمذهبية والثقافية والاجتماعية والسياسية، بل كنا جميعاً على قلب رجل واحد ونريد أن نحقق هدا واحداً، وهو مناصرة المساكين والفقراء والمحتاجين واليتامى والأرامل والنازحين.

فانطلقت بنا المسيرة إلى أن جعلتني المؤسسة – الإغاثة الإسلامية عبر  العالم رئيساً لها في عام ٢٠٠٣ (أي بعد ١٩ عاماً من العمل التنفيذي – فبدأت أنظر  الأمور بمنظور ومنظار آخر غير رؤية المنظار التنفيذي التقليدي الذي كان في غالبية أمره  متميزاً ومتأثراً بسياسة العقلية المجمعة للمال، المنفذة للمشاريع و ” المطفئة للحرائق ” الغير مستوعبة – في كثير من الأحيان للجوانب الأخرى للأعمال الإنسانية والاجتماعية والخيرية الخدمية وكلنا في هذا المجال، هذا الرجل – والتي منها صناعة: الثقافة والفكر، المناصرة والتمكين، التاريخ والهوية، القيم والشخصية، الأخلاق والمرجعية، المحاسبة والشفافية، الفلسفة والعقيدة  الإيمانيّة، قياس الأثر والتواصل وبناء الشراكات المجتمعية!

هذا  المنظار وهذه المنظورة جعلتني أرى العمل – الكون – من خلال رؤية أخرى. أبعادها ليست إنسانية أو بشرية، بل خلائقية فكرية، لها عقيدة إيمانية، أخلاق ربانية – لست أنا – ثقافات روحانية، أطر مجتمعية وغايات مستمدة من رضا رب  البرية. جعلتني أجول  العالم، أشارك في المؤتمرات والمنتديات واللقاءات، أتحدث إلى القيادات والزعامات وأبناء المجتمعات، مما أحدث لدي ” طفرة ” فكرية متمددة الأركان، متماسكة البنيان، واضحة البيان، لا يراها من العيان إلا الملأ من الأعيان، وكان هذا بفضل الله نتيجة لوجود هذه المساحة – التي وفرتها الإغاثة لي كرئيس لها – فكان من ثمارها تأسيس إدارات جديدة – تابعة لمكتب الرئيس – ومؤسسات جديدة منهم:

١. إدارة السكرتارية التنفيذية باللغة العربية والإنجليزية.

٢. مكتب البحوث.

٣. مكتب المناصرة والدفاع عن القضايا والمجتمعات.

٤. مكتب/إدارة العلاقات الدولية (وليس العلاقات العامة).

٥. تسجيل جمعية المنتدى الإنساني The Humanitarian Forum.

٦. تسجيل جمعية المنتدى الخيري الإسلامي Muslim Charities Forum MCF.

٧. تنظيم وعقد مؤتمر عن مواجهة وباء نقص المناعة الإيدز من منظور إسلامي في جنوب إفريقيا عام ٢٠٠٧، والذي تحول فيما بعد إلى جمعية.

٨. تسجيل جمعية دعم مرضى نقص المناعة الإيدز HIV Aids.

٩. الاهتمام بالكتابة ونشر الكتيبات التي بها الفكر المجتمعي – الإسلامي – الجديد: معادلة يوسف عليه السلام، الأبعاد الدولية لتدخلات المؤسسات العالمية والدول في المجتمعات، أمن من؟، ماذا قالوا؟ وغير ذلك من مقالات بالإضافة إلى كتابات مشاهداتي حلّي وترحالي.

١٠. تربية جيل قيادات المستقبل الذي لم أنجح فيه إلى الآن.

هذا ما جعلتني – الإغاثة الإسلامية عبر العالم – أن أصل إليه حينما أخرجتني من دائرة الصراع التنفيذي – الضيق – الممنهج حول فلسفة إطفاء الحرائق إلى مساحة المجالات المتعددة المختلفة والمتعلقة بالبناءات المجتمعية المتباينة والمتميزة والتي غالباً ما لا يراها أو يدركها ” مطفئي الحرائق ” من المدراء التنفيذيين – المخلصين – الذين ليس  لديهم سعة وقت للتفكير.

استمرت هذه المرحلة لفترة خمس سنوات متتالية في مجاهدة وتدافع بيني وبين المدراء التنفيذيين في الإغاثة الإسلامية عبر العالم. وجدت نفسي خلال هذه المرحلة غير قادر على تحقيق الكثير من هذه الأفكار والمبادرات لانشغال القيادة التنفيذية بتنفيذ المشاريع والبرامج – وهذا شيء طبيعي وصحي جداً وليس صداماً أو تعقيدات أو مواجهات – المتفق عليها وتديره المؤسسة بطريقة سليمة ويومية – والتي تعدّى عدد  موظفيها ٣٠٠٠ موظف في ذلك الوقت – فكان من الصعب أن يستمر من أطلق سراحه يدير بتوجّهاته وأحلامه وأفكاره قيادة زمام أمور مؤسسة بهذا الحجم، فكان القرار الحكيم العاقل الأصحّ والذي  فيه الخير كل الخير للمؤسسة، أصحاب الحقوق، المجتمع، القطاع الخيري وللناس أن أتخرج من جامعة الإغاثة الإسلامية عبر العالم وبدرجة إمتياز مع مرتبة الشرف بعد:

التعلم منها وفيها،

اكتساب الخبرات من أبناء مكاتبها في العالم،

الالتزام بأخلاقيات مبادئها وفلسفاتها الثقافية،

تقديمها  لي  للمجتمعات والمؤسسات الدولية والدول والكيانات،

صناعتي وتربيتي في مطابخ صناعة قراراتها المصيرية،

جعلتني قادرا على أن أصبح إنساناً جديداً له حيثية بهيجة، رونقها الخير، معينها الدعاء، عطاؤها البذل، ورسالتها السخاء في البذل والعطاء!

فما هي رسالتي لكم في هذا اليوم المبارك والتي أريد أن أضعها بين أيديكم في هذه النقاط:

١. اليوم هو الذكرى السادسة عشرة لتخرجي من الإغاثة الإسلامية عبر العالم بعد مسيرة ٢٤ عاماً و ٨٢ من العمل الشاق المثمر والمنتج الذي تحتاجه المجتمعات.

٢. لقد تعلمت الكثير أثناء هذه المسيرة التي بدأناها منذ ٤٠ عاماً.

٠٦ ١٠ من صباح الاثنين ٨ إبريل ٢٠٢٤، المنزل، برمنجهام بريطانيا.

٣. بدأنا من لا شيء، لنفعل أي شيء، فنتعلم كل شيء، كي نصبح قادرين على صناعة الأشياء التي تأخذنا إلى مجالات منشئة الأشياء.

٤. كنّا شبابا وكانت لنا الحماسة والرغبة والطموح والقدرة، لكن لم يكن متوفر لنا الدراية والمعرفة والحكمة والخبرة.

٥. حينما استوى عودنا في عام ٢٠٠٥ – ٢٠٠٦، قرّرت التخرج مسيرة هذه ” الجامعة المباركة ” كي أصبح أحد سفراء مسيرتها المباركة ليس – فقط – على مستوى مؤسسةً أو صعيداً إقليمياً واحداً فحسب، بل على مستوى القطاع الخيري الإنساني الاجتماعي الكوني وليس  العالمي. لأن قطر الأرض ١٢،٧٤٢ كيلومترا ومحيطها ٤٠،٠٧٥ كيلومترا، أمّا الكون المترامية أطرافه فيحوي أكثر من ٢ تريليون مجرة تتراوح أقطارها ما بين ١٠٠٠ و١٠٠،٠٠٠ فرسخ فلكي وهذا حوالي ٣٠٠٠ إلى ٣٠٠،٠٠٠ سنة ضوئية، وكرسي الرحمن – الذي لا تأخذه سنة ولا نوم – قد وسع السماوات والأرض، أمّا عرشه الذي تحمله ثمانية – من الملائكة – فيسع الكون الذي خلقه وأكوان أخرى وأكثر، فهو الذي يقبض الأرض جميعاً، والسماوات مطويات بيمينه!

فكيف يحدث هذا؟

يحدث وفق قاعدة ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فج عميق “، الحج ٢٧. فكيف لإبراهيم عليه السلام أن يقف في صحراء قحلاء جرداء قفراء  لا زرع فيها ولا سيارة ولا ماء، أن يؤذن – بصوته الضعيف – فيأتيه الناس راجلين وضامرين من كلّ  فج عميق! فالذي أسمعهم صوت خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، سوف يوصل إلى أركان الأكوان أصوات رسالتنا – الضعيفة – بتقنيات تكنولوجية حديثة لم تكن متوفرة لخليل الله من قبل. فلكل عصر أذان، ولكل مقام مقال، ولكل ألفية رجال، فأدعوا الله أن تكونوا منهم.

فالأرض منشأنا، السماء مبعثنا، الكون مسعانا والله يرعانا.

٦. لقد شعرت وشعرت معي الإغاثة الإسلامية عبر العالم بأنه حان الوقت لإطلاق عناني (وليس سراحي) إلى العالم الخارجي بعد فترة حضانتها ورعايتها لي، مستشعرين – أنا وهي – أن يستفيد الآخرين من خبرات الإغاثة الإسلامية التي أبدعت في صناعة تراكماتها المتباينة كي لا تكون حكراً  عليها أو دولة بين رجالاتها فقط. فكان القرار الذي اتخذته حكيماً  وباركته معي المؤسسة بسعة آفاق حكمتهما وبعد نظرها، فشكراً  لجميل هذا الصنيع.

٧. رسالة أوجهها لمسؤولي المؤسسات:

٠ لا خلود لأحد ٠ لا أبدية لأحد ٠ لا سرمديّة لأحد ٠ لا ديمومة لأحد ٠ لا بقاء لأحد ٠ لا تأبيد لأحد ولا طلاقة لأحد إلا للواحد الأحد الفرد الصمد، ومن اعتقد أو يعتقد هذا فهو/هي فرعونا صغيرا، نمرودا حقيرا، قارونا خسيسا، هامانا وضيعاً، نيرونا سفيهاً و ديكتاتورا صليفا غاشما سليطاً بذيئاً .

٨. على المسئولين – وهم متمتعين في مناصب قيادتهم المرموقة – أن يفعلوا التالي:

٠ أن يؤهلوا جيلاً – أو أجيالاً – من الشباب يؤمنوا برسالاتهم، يحذوا حذوهم ليكونوا بدلاء لهم في مؤسساتهم.

٠ أن يوجدوا مساحات – كافية – من الحريات لعمل هؤلاء الشباب في كافة القطاعات الخدمية.

٠ أن يرسوا مبدأ ” التجربة مع الإصابة والخطأ “، لتصوّب الأخطاء ويطور الصواب، ولا يستعملون مبدأ ” ثقافة التلاوم ” الذي يؤدي إلى: القعود والركون، التقليد والتبعية، الجمود والركود، الرهب من الجديد وإقصاء التجريب.

٠ أن يجعلوا ” المخاطرة ” متلازمة أساسية من خطوات مسيرة النجاح والتجديد والتطور والإبداع. فلا نضوج بدون لهيب، ولا شواء بدون اضطرّام، ولا اضطرّام بدون نيران، ولا نيران بدون عناء، ولا عناء بدون مخاطرة…. وبدون المخاطرة لن يطيب الشواء ولا حتى الغذاء!

٠ أن يورثوا العلم والمعرفة، الخبرة والتجربة، الفكر والدراية، الفطنة والعناية، الوعي والوقاية، النضج والرعاية، البصر والبصارة (بفتح الباء والصاد والراء) ….. للجميع وليس لأبناء مؤسساتهم فقط.

٠ أن يكونوا قدوة لمن حولهم، أثراً لمن بعدهم، نوراً لمن خلفهم ورشدا لمن عقبهم. 

٩. إن دور القائد أن يصنع قادة يتولون القيادة، لا قطيعا يسير خلف من كانوا  لهم سادة. يقادون ولا يقودون، يتبعون ولا يتبعون (بضم الياء وسكون التاء وفتح الباء)، لا قول لهم، ولا رأي لهم، ولا ظلّ  لهم، ولا أثر لهم….. ولا يؤثرون على أنفسهم أحدهم أو ممن  جاءوا بعدهم.

١٠. إنّ الكون ليس في حاجة إلى قيادات طنانة،شعارات رنانة، هتافات زنانة أو ترانيم زمارة.

١١. الكون يحتاج إلى قيادات قادرة على الاستغناء عن جزءا كبيرا من شخصيتها الاعتبارية من أجل ديمومة البقاء….. بقاء المؤسسة ، بقاء المسيرة، بقاء المجتمعات وبقاء الأعمال  يتأثر به الكون في كلّ تسبيحة يسبحوا بها بعظمة خالقهم وإحسان القيادات الصانعة للأثر!

لذلك فإن أعظم الأثر الذي يتركه القائد ليشعر به الكون هو التنازل، التخلي، التنحي والتعاقب مع الأجيال القادمة من بعده لقيادة مسار مسيرة المستقبل، فيعبد لهذه الأجيال طرق وأزقة مسيرتهم بعد أن يرسم كل خرائط الطرق التي يتفقدونها للوصول إلى غاية منتهى رحلات مسيراتهم. ليس هذا فحسب، يصنع لهم الفكر والثقافة، الفلسفة والأخلاق، التاريخ والماضي،  الهوية والشخصية، العلم والمعلومة، المعرفة والمفاهيم، القيم والإيمان، الأبعاد والمجالات، القيم والفضائل، الضمير والبصائر…. النفوس والسرائر.

هذا هو القائد الذي نريد أن نراه حباً وليس كرهاً، عدلاً وليس ظلماً، حقاً وليس قهرا، فعلاً وليس قولاً، عملاً وليس حدثاً، حفظا وليس هدراً ، أثراً وليس طمسا، علماً وليس جهلاً، دوماً  وليس لحظا  ….. 

١٢. ما يجعلني واثقا في ربانية العمل الخيري الذي سوف يحفظه الله ويرعاه برعايته هو نشأة العمل، عفوية البداية وتعددية مؤسسيها! ويتلخص كل هذا في النقاط التالية:

أ. أول تبرع لشراء تذكرة سفر لحضور لقاء طبي في السودان كان مبلغ ٣٠٠ جنيها إسترلينيا في شهر نوفمبر ١٩٨٣ من خلال إمام المركز الثقافي الإسلامي في لندن من شخص لا يعرفه أحد.

ب. زيارة الخرطوم لحضور هذا  اللقاء الطبي ولقائي بأحد العاملين في مجال الاغاثة والتنمية والذي غيّر فكري ووجهة نظري عن المجاعة في أريتريا قائلا ” إن اللاجئين من المسلمين والمسيحيين ” – لأن الإعلام الغربي كان يسلط الأضواء هوية اللاجئين المسيحية، وهذه لم تكن الحقيقية لأن غالبية أهل أريتريا كانوا من المسلمين، فهي أرض الهجرة الأولى للمسلمين من مكة إلى أرض الحبشة.

ت. التبرع الأول لكارثة المجاعة كان من:

٠ مبلغ ٢٠ قرشاً مصريا في نهاية شهر ديسمبر من عام ١٩٨٣، وكان من طفلا من أقاربي اسمه باسم ويبلغ من العمر ٩ سنوات.

٠ التبرع الثاني كان من أفراد عائلتي في القاهرة وكان ١٥٠٠ جنيهاً  مصرياً.

ث. أول من استجاب للفكرة من مدينة برمنجهام كان زميلاً في الدراسة في جامعة برمنجهام، وهو الدكتور إحسان شبيب – الفلسطيني الأصل والعراقي الجنسية – والذي كان يدرس لدرجة الدكتوراه في الكيمياء. وكان  ذلك في شهر يناير من عام ١٩٨٤.

ج. الشخص الذي أعطانا اسم ” الإغاثة الإسلامية ” Islamic Relief في شهر مارس/إبريل من عام ١٩٨٥ كان الاستاذ يوسف إسلام Cat Steven النجم والمغني المشهور، وهو بريطاني من أصول يونانية. 

ح. الذّي صمم شعار الإغاثة الإسلامية كان مصمما تركيا من لندن، رفض أن يتقاضى عليه أجراً  على الإطلاق.

فدعونا الآن نتمعن في من أسّسوا الإغاثة الإسلامية في عام ١٩٨٤/١٩٨٥:

٠ متبرعاً لا يعرفه أحد من على الإطلاق إلى الآن (مبلغ ٣٠٠ جنيها إسترلينيا في لندن.

٠ شاباً  سودانياً نجح في تغيير فكرنا كلياً والذي صنع في ذاكرتنا صوراً مغلوطة للحقائق.

٠ كان التبرع الأول للإغاثة من طفل مصري ثم تبعه تبرع آخر من عائلتي.

٠ شريكي في وضع البذرة الأولى كان فلسطينيا/عراقيا.

٠ الذي أعطانا إسم الإغاثة الإسلامية كان فناناً يونانيا/بريطانيا.

٠ مصمم الشعار كان تركيا لم يتقاضى أجراً على عمله ولا نعرفه.

وتتجلى ربانية البداية البسيطة للعمل في:

٠ عدد المشاركين في التأسيس ٧ أفراد + بعض أفراد العائلة.

٠ عدد الجنسيات المشاركة في التأسيس ٥ جنسيات (مصر، السودان، فلسطين، اليونان، تركيا)، وأخرى لا نعرفها.

٠ عدد الشخصيات الذين لا نعرفهم ولم نقابلهم ٢ (المصمم التركي والمتبرع الأول).

وهنا تتجلى لنا أبعاد ربانية العمل الذي بدأه الله بنا وجعلنا قادرين على غرس بذرته الأولى التي حدد  الله لنا فيها الأرض الصالحة – وللأسف لم تكن أرضاً للمسلمين! بل كانت لغيرهم – لإنباتها والحفاظ على ديمومة إثمارها.

إنّ ربانية العمل لا تقع في من يقومون به، بل تقع في من يكلفهم الله للقيام به. فإن أمعنا النظر في المجموعة الأولى التي غرزت هذه البذرة لوجدنا أنها في غالبيتها لم تلتقي ببعضها البعض ولم يكن الكثيرون منهم يعرفون بعضهم البعض.

إنّ ربانية العمل لا تتبع طريقة دينية، مذهبًا فقهيا، جماعة إسلامية، شخصية روحانية أو مجموعة أعطت لعملها إسما إلهياً أو وصفاً  نبوياً أو فكراً رساليا أو ذكراً ابتهالاً. لا والله إن الربانية اصطفاء واصطناع، تكليف وتمكين، اختبار وتدعيم، ابتلاء وتعسير، اصطبار وتسليم…….

أيها الشباب،

٠ أعلموا أنه من يتصدى منا للأعمال المجتمعية الخيرية الإنسانية الخدمية عليه أو عليها ألا يحجب شيئًا – حتى في حياته الخاصة – عن  المجتمع.

٠ إن أهم قيمة لابد وأن تتوفر فيكم يا شباب للعمل في هذا المجال هي تطبيق مبدأ الشفافية – وهنا أضيف كلمة المطلقة – وذلك لتعاملنا مع فتنتي المال والنساء.

٠ أن نذهب دائما إلى أصحاب الحقوق – من الممتحنين في دينهم ودنياهم – وأن نصغى بحرص إلى معاناتهم وأن نحترم مشاعرهم، وهذا يعد أهم عنصر في إيجاد الحلول التشاركية لمشكلاتهم. 

٠ اعتماد مبدأ عدم ” الخلوة ” بالأطفال وأبناء الجنس الآخر.

٠ اعتماد مبدأ زيارة فريق عمل – لزيارة أصحاب الحقوق -وليس فرد بعينه، لكثرة المشاكل النفسية التي تواجه أبناء هذه المجتمعات مما يجعلهم عرضة لابتزاز بعض ضعاف النفوس من العاملين في مجال العمل الاجتماعي!

٠ اعلموا أنكم مكلفون من الله للقيام بهذه المهمة، لتستشعروا عظم مسؤوليتكم أمام الله والمجتمع. 

٠ لنعلم أن العمل شاق ومضني وعجزت عن حمّله الجبال والسماوات والأرضين.

٠ إن عملية بناء الأمم  والحضارات والنهضات مكونات هندسية مركبة ومعقدة ولها من الانسيابيّات ما يتناسب مع طبيعة عمليات النمو الارتقائية في المجتمعا، والتي لا يستطيع إحصاء تفاعلاتها إلا من أحصى كلّ  شيء عددا وبدأ خلق الإنسان من طين.

٠ إنّ  من  صفات المؤسسات الربانية أن يصيبها مرض أو عطب – وهذا وارد – وله  علاجات عدة، لكن – وأشهد الله على هذا أنها لا تنقرض ولا تفنى ولا تموت، وإلا ما ميزتها عن غيرها سمة الربانية التي وهبها الله لها، فأبشروا ياقوم فإن الدعوة لا تموت، كما أن الرب لا يموت والربانية دعوة أبدية صادقة.

٠ إنّ مسيرة الحياة لها أطوار عدة وليس لنا كامل الحرية في اختيارها أو حتى في صنعها. فلم يكن لنا حرية اختيار والدينا، عائلاتهم أو حتى مكان ولغة وثقافة المكان الذي ولدنا فيه ولن نحاسب على طور خلقنا الأول في أرحام أمهاتنا. لن نحاسب أيضاً على طور ما قبل التكليف – وهو سن الطفولة – بل سوف يبدأ حسابنا من بداية سن التكليف إلى سن ” التغليف ” – التكفين – فاحرصوا على عدم إهدار هذا الطور هباءً منثوراً. واعلموا يا شباب أننا سوف نشاهد نتائج عملنا في طور ما بعد التغليف – في القبر الذي لا عذاب فيه – ثمّ  نبعث للحساب قبل العقاب والجزاء في يوم الحشر، فاحرصوا على أن لا يكون جزاؤكم عذاب والعياذ بالله.

ولنعلم جميعاً إنّ مسيرتنا بدأت بلحظة، استمرت للحظة وستنتهي في لحظة تصل بنا إلى الخلود الأبدي الذي تنعدم فيه قيمة الزمن فاحرصوا على أن تكونوا في جنة عرضها السماوات والأرض أعدّها  الله لكم بيديه، وهذه اللحظة هي حياتنا العمرية التي سوف نحاسب عليها والتي  نعيش أطوارها ما بين التكليف والتغليف.

٥٥ ٠٧ من صباح الخميس ١١ أبريل ٢٠٢٤، المنزل، برمنجهام بريطانيا.

ما هي أصعب الأمور التي تواجهنا في حياتنا اليومية العملية؟

١. أن نترك – طوعاً – ما نحب ونحن في قمة النجاح والتمكين.

٢. أن نخلق لمن معنا ومن كانو من حولنا ومن سوف يأتون من بعدنا ” مساحة “منا سبة لعملهم، كي يصبحوا أمثالنا أو خيراً منا فيتبوؤ مقاعد مناصبنا بخبرة ودراية ومعرفة وحكمه.

٣، أنّ نقاوم رغباتنا وشهوات أنفسنا في حب زعامة المجتمع.

٤. أن نترك عالم الأضواء إلى عالم الانضواء.

٥. أن نترك مراكز الجاه والسلطان والسلطة إلى مقاعد التواضع والامتثال والاستماع.

٦. أن نترك المعلوم إلى المجهول.

٧. أن نهب ما نحب لمن نحب، لنعمل ما نحب لمن نحب ومن لا نحب.

٨. أن نخاطر بمستقبل حياتنا من أجل تحقيق الجديد النافع للمجتمع وقد بلغنا من العمر عتياً!

٩. أن نزهد في الكثير لنرضى بالقليل لنفيد الجمع  الغفير.

١٠. أن ننشر الجديد بديلاً عن القديم، التجديد مغيراً  للتقليد، وللحديث معبراً عن التأصي

١١. أن يكن لنا ” رؤى ” في عالم الكفاف. 

١٢. أن نسمع الأصم، نحادث الأبكم، ونري الضرير …. الطريق!

١٣. أن نحدث التغيير لمن لا يؤمنون بالبديل.

١٤. أن ننصح الشارد، نرشد الأحمق، نهدي الأبله ونقنع الأخرق!

ويأتي بعد ذلك السؤال الأصعب في الإجابة عليه وهو ” هل لك دوراً سوف  تقوم به بعد أن تترك مراكز السلطة والقيادة؟ ” والإجابة تأتي بنعم – بكسر النون، سكون العين وفتح الميم – نعم، وما أنعم نعمتها. ليس دوراً  واحدا بل أدواراً  عدة، ومنها:

٠ أن يشهد الجميع على كفاءة المؤسسة التي هذبت شخصيتي، بنت قدرتي، صنعت حيثيتي، أعلت  قامتي، سهرت على راحتي، أوصلتني لبغيتي، سترت مساوئ صحبتي وقدمتني للمجتمع عزيزا ومرفوعة هامتي!

٠ الانطلاقة من ضيق حيز المؤسسة الواحدة – وهذا شيء طبيعي – إلى سعة الآفاق والمجالات المجتمعية المختلفة.

٠ أن أحقق ما لم أستطع تحقيقه وأنا أتعلم – طالبا – في فصول جامعتي المهنية العلمية والأكاديمية المدعوة الإغاثة الإسلامية….. وهذا أيضاً شيء طبيعي.

٠ أن أعرض على المجتمع فكراً  جديداً، رأياً  سديداً، قولاً رشيداً، عملاً عتيدا وذكراً مديداً، وهذا مما تعلمته على أيادي صناع حياتي من أصحاب الحقوق داخل فصول جامعتي الأولى.

٠ أن أنقل قدراتي وخبراتي إلى من سألني ومن لم يسألني.

٠ أن أكون رسولاً للجميع لا تحدني حدود، قوانين، سياسات، استراتيجيات، معايير وميزانيات المؤسسة الواحدة، بل تتعدى آفاق ومجالات سمواتها الحدود والأبعاد.٠ أن أفكر، أكتب،أبحث، أؤطر، أحلل، أعدل، أراجع، أغير، أعرف، أصنع، أربي، أقنن ….. وغير ذلك من مهام لأدوار عديدة من الممكن القيام بها، لتخرجي من حيز إطفاء الحرائق التنفيذي إلى سعات بناء المجتمعات الفكرية والفلسفية التي يهملها ” مطفيئ الحرائق ” فيسبقنا أليها ” زمرة ” من مشعلي النيران المجتمعية الفكرو-فلسفية لتقضي على الأخضر واليابس المجتمعي – دون درايتنا لانشغالنا عنهابإطفاء الحرائق التي أشعلوها لنا ونحن غافلون!!

٠ أن أكون ك ” الكشافة أو الرحالة ” الذين يكتشفون الأراضي والقارات والكنوز فلا يحتكرونها – احتكاريا – بل ينشرونها للمجتمعات الأخرى – معرفياً – لخدمة الخلائق إيمانياً.

وسؤال آخر، هل لك جمهور ومن هو جمهورك الجديد هذا؟

قطعاً  ودون تردد لي جمهور أتمتع بديمومة التواصل معه. جمهور لا يعتمد على السلطة والجاه والسلطان، الدعم والمال والإعلام، السياسة والساسة والإذعان… جمهوراً يبحث عن العلم للمعرفة، التلقي  للتعلم، القراءة للتمعن، التبصر للتدبر، الكتابة للتذكر، الصياغة للتحليل والأرشفة للتأريخ.

جمهوراً من الشباب، ممن ليسوا من أصحاب القدرات والمهارات، وليسوا من أصحاب الأموال والكفاءات. بل جمهوراً  يبحث عن الطريق لكي لا يعيش مجتمعه في ضيق، ولا يركب البحر ليصبح غريق، ولا يعلو سماءً  واديها سحيق، بل يبحث عن حقيقة النهج الحقيق في مناهج تنقذ البشرية من الحريق الذي ما استطاع ” مطفئي الحرائق ” إخماد نيران حرائق أشعلها لهم من اعتقدوا أنه صديق!

وسؤال آخر، هل حققت حلمك ؟

مازلت لم أحققه بعد، فلكل حلم سقف هو قاعدة أو أساس أو جوانب الحلم الذي بعده. فللحياة  مراحل عدة داخل كلّ  مرحلة من مراحلها أحلام نريد أن نحققها من أجل إسعاد من حولنا من خلائق ليحيوا الحياة التي يريدونها لأنفسهم داخل آفاق الحياة التي نريدهم أن ينعموا بها داخل ناموس الحياة الأعظم الذي وضعه الله لحياة تلك الحيوات. فكلما نعمل من أجل إسعاد الآخرين، كلما اتسعت مدارات إدراكنا ومعرفتنا لكنوز علوم إحياء الحياة لتحقيق الأحلام  التي تريدها – الحياة – لإحياء حيوات عائشيها.

هل الحياة وتيرة واحدة؟

لا على الإطلاق، فلكل وتيرة ثقافة وقيم وأخلاق وعقيدة، ولكلّ وتيرة وتر تختلف ألحانه باختلاف الوتر ذاته. وكم قال المولى سبحانه وتعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات ١٣، فمن ذكر وأنثى خرجت الشعوب والقبائل التي تميزت بالتعددية مع الانسيابية المتجانسة المتكاملة مع بعضها البعض في إدارة حركات الحياة.

هل أقوم بما يقوم به الآخرون؟

حالياً قد أكون أحد هذه القلة التي أصبح لها سعة من الوقت كي تفكر في ما تريد أن تقوم به من أجل إسعاد الخلائق (وما كان المؤمنون لينفروا كافةً، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إلىهم لعلهم يحذرون) التوبة ١٢٢، اللهم اجعلنا من هذه الطائفة. قد يكون ما يقوم به أفراد هذه القلة ليس بأهمية ما يقوم به الآخرون. فكلّ منا  ميسّر لما خلق له. فقد لا يدرك العامة من الناس أهمية ما نطرحه عليهم من أفكار ومبادرات وتوجهات، ولكنها – وللأسف – الحقيقة ياسادة، ولكن هذا هو واقع حاضرنا الأليم!

هل نجحت، وما هو النجاح الحقيقي الذي حققته؟

نعم نجحت ولكنّ للنجاح مراحل و أبعاد وأفكار ومبادرات أخرى، ومن آثار النجاح الملموسة:

٠ استمرارية عمل الإغاثة الإسلامية عبر العالم لأكثر من ٤٠ عاما.

٠ استمرار عمل ونجاح الإغاثة الإسلامية عبر العالم إلى يومنا هذا وبعد أن تركتها بستة عشر عاما.

٠ أن يتناول زمام قيادتها ٦ قيادات شبابية من خلفيات ثقافية وعرقية واجتماعية مختلفة.

٠ أن تتخطى الإغاثة الإسلامية عبر العالم عوائق ١١ سبتمبر، الحرب  على الإرهاب، سياسة تجفيف منابع مؤسسات العمل الخيري – خاصة الا العربي الإسلامي، وأن تستمر جزءا لا يتجزأ من نسيج العمل الإنساني الدولي ومدعومة من مؤسساته الأممية والدولية والشعبية، أثناء ما يعاني العالم من جائحة ٧ أكتوبر التي سوف يكون تأثيرها على تغيير مسار تاريخ المستقبل أضعافاً  مضاعفة عما لما حدث بعد أحداث ١١ سبتمبر.

٠ أنني بدأت مبادرات وأسست جمعيات مجتمعية مختلفة أغلقت بعضها وبقي البعض الآخر حي يقاوم لقلة الدعم المادي نظراً لعدم تقدير المجتمع للدور الذي تقوم به.

٠ أنني مازلت أحاول لتحقيق المزيد من النجاح، والمحاولة نفسها نجاح وإن فشلت، فالفشل إن عالجناه تحول أحد أسباب النجاح.

٠ أنني – والحمد والفضل والمنة لله – مازلت أستجيب لطلبات الاستشارة والنصح التي تأتيني من الشباب والجمعيات!

٠ أنني أصبحت أحاول أن ألفت انتباه المجتمع والشباب إلى ما تغفل عن القيام به الجمعيات من محاور محورية أساسية في بناء الشعوب، الدول، الأوطان ومن ثم بناء كيانات حضاراتها مثل الاهتمام ب: الثقافة والتاريخ، الفنون والآداب، الفكر والفلسفة، البحث والدراسة، الإعلام والدراما وغير ذلك من ثوابت تربط المعاصرة بالأصالة.

٠ أنني أصبحت لا أعتمد مؤسسة واحدة أو جمعية بعينها أو مسارا واحدا، بل أصبحت (مع غيري) من منشئي المسارات .

٠ أصبحت أكثر اهتماما بالكتابة والتدوين لأفكاري وآرائي، متأسياً  في ذلك بمقولة الإمام أحمد رضي الله عنه حينما سأله أحد أصحابه ذات يوم: إلى متى سوف تستمر في طلب العلم وقد أصبحت إماماً  للمسلمين وعالماً  كبيراً؟، فقال له: مع المحبرة إلى المقبرة، أي أنه سوف يستمر في طلب العلم إلى أن يموت ويدخل القبر.

٠ أنني أصبحت ممن لا يطفئون الحرائق، بل ممن يحاولون من حدوثها.

٠ أصبحت أحبّ كل شيء أقدم على عمله، ليحبّني ذلك الشيء فيطلعني على نفيس أسراره.

٠ أصبح إنتاجي اليوم يختلف عن ما كنت إنتجه منذ سنين. فبالأمس كنت أدوّن ملاحظاتي واليوم أبرز أفكاري وغداً إن شاء الله تتتبعون آرائي، والله أعلم.

وأخيرا، إنني أشعر بالأسى والأسف لزملائي الذين أحترمهم وأقدرهم وأحنوا عليهم، لأنهم لا يقدرون قيمة الحرية المرتبطة بالمخاطرة، التحرر من القيود لعبور الحدود، التعلم من التجارب لصناعة المخاطر.

دعوني أوجّه إلينا هذه النصيحة:

٠ كثرة المكوث في المكان يصيبه بالعطب. العطب في المكان والعطب في الإنسان.

٠ كثرة التقليد لا تورد التجديد.

٠ كثرة السماع تولد الإبداع.

٠ كثرة المشورة ترشد المقولة.

٠ كثرة المحاولة تمنع المساءلة.

٠ كثرة المشاركة توجد المباركة.

٠ كثرة الحنان يزيد الأمان.

٠ كثرة التردد تعدّد التخبط.

٠ كثرة التشدد تنمي التبدد.

٠ كثرة التلاوم تخلق التلاؤم.

٠ كثرة الشفافية تزيل الحساسية.

٠ كثرة التناصح تعزز التصالح.

٠ كثرة الثرثرة لا تصنع المؤازرة.

زملائي الأحبة،

لا تتمسكوا بالمراكز، فالمراكز ما لها ركائز.

لا تتمسكوا بالسلطة، فالسلطة مقبرة ليست مفخرة.

لا تتمسكوا بالسلطان، فلا أمان لسلطان.

لا تتمسكوا بالأضواء، فالأضواء ليس  لها بقاء.

لا تتمسكوا بالقيادة، فهي لا تدوم يا سادة.

لا تتمسكوا بالقوة، فالقوة ليست فتوة.

لا تتمسكوا بالعزة، فالعزة ليست لذه.

لا تتمسكوا بالعصارة، إلا إذا مزجتوها بالأصالة.

زملائي الأحبة،

كونوا صناع صناعة البناء، بناء المجتمعات، بناء الأوطان، بناء الدول، بناء الأمم، بناء القيادات الشبابية، بناء مستقبل الأجيال.

بناء صناعة صناعة، صناعة الحضارة، صناعة الفكر، الفلسفة، الثقافة، التربية، الأخلاق، القيم، الأدب، المناصرة، البحوث والدراسات، الجرح والتعديل، النقد والتحليل.

بناء صناعة الصناعة، والصناعة هنا أعم وأشمل، الصناعة مناخ ومجال، أبعاد وآفاق، محاور وركائز، محيطات وأنهار، سماوات وبحار، شموس وأقمار، نجوم وأغوار، عيون وآبار، ضباب وأستار، قيعان وإقعار، خفاء وإظهار.

٢٥ ٠٧ من صباح الجمعة ١٢ فبراير ٢٠٢٤، المنزل، برمنجهام بريطانيا.

مشيدين أركان صناعة الحياة، والحياة هنا ليست نمطاً واحداً، لوناً باهتاً، عرقاً سالفاً، شعباً بائدا، جيلاً زائفا، قولاً  فارغاً، فعلاً فاسداً. الحياة علماً زاهراً، فعلاً باهراً، قولاً هادياً، روضاً باقياً، عزماً  زاهياً، مجداً عادلاً، عزاً قادراً وعملاً  جاهداً.

أما الصناعة الحقيقية فهي صناعة صناع حياة الحياة، فماذا نعني بهذا؟

نعني أن الحياة ” وعاء ” تلتئم فيه حيوات كل حي يعيش داخلها ولا يقدر على صناعتها بشر، أما ما يستطيع صناعته البشر فهو صناعة ” صناع الحياة ” لصناعة ” خلائقية ” حياة كل من يعيش داخل وعاء الحياة الرحب. فبدون خلائقية وخلائقيون لن يصبح البشر ” صناعا ” لصناعة حيواتهم داخل هذا الوعاء الرباني الرحب المترابط والمترامي الأطراف. فالخلائقية ” قائم ” حياة الخلائق  التي تدور داخل وعاء الحياة الرحب في نفس الاتجاه وبنفس السرعة والمسار وفي تناسق بديع مع حركة دوران الحياة الكبرى التي صنعها الخالق سبحانه وتعالى لكل الكائنات، ف (كل في فلك يسبحون) الأنبياء ٣٣. وبيت القصيد هنا أيها الزملاء هو  صناعة ” صناع  الحياة الخلائقيون “، فصناعة الصانع الخلائقي خير من بقائنا على كرسي زاهق! فاختاروا ما بدا لكم أيها الزملاء الأفاضل، فإما زاهق – بكسر الياء – وإما خلائقي!

بحث

المقالات